باك (تيك توك) تساؤلات ...
لمَّا طالبَ مُعلِّمونا وأساتِذَتُنا - وهُم مِلْءُ السَّمْعِ والبَصَرِ- وما زالوا يطالبون بتثمين أعمالهم الجليلة وتقدير تضحياتهم الجسيمة -ولاسيما وقت الوباء- بحزمة مطالب مشروعة بشقيها التربوي البيداغوجي والمهني الوظيفي ... قيل الوضع والحراك والوباء والبورصة والميزانية...
لكن لما كان الأمر لتقنين مالا يَنْصر دينًا ولا يُقيم دنيا؛ تحالفت مختلف القوى الوطنية : وزارة (ألا تربية) ووزارة التعليم (السافل) ووزارة الثقافة (انتاعنا) لأجل إنتاج المسخ الجديد بعنوان (باك فنون) وللفنون جنون، وستُجَّند لتوليده كل الإمكانات البشرية والمادية للدولة -التي مرجعيتها الإسلام كما في دستورها المعلن في المادة الثانية منه-:
مسارح، آلات موسيقية وتشكيلية، تنظيم مسابقة خارجية لتوظيف الأساتذة أهل الاختصاص ، ضمان التكوين الازم، استغلال منتوج المدارس العليا للأساتذة، ومنه استحداث رتب التفتيش في المواد الدراسية ...
والتزاوج بين الثلاثة سيُنتج مجموعة المتعلمين الذين سيوَجَّهون من السنة الرابعة متوسط إلى السنة الأولى ثانوي جذع مشترك (آداب وفنون) أو (علوم وفنون) في انتظار أن يُحدِّد الآباء الثلاثة اسم مولودهم الجديد
وسيكون التوجيه - كان الله في عون مستشاري التوجيه والإرشاد المدرسي- على حسب انحرافات المتعلمين السلوكية أقصد رغباتهم البيداغوجية، وبالتالي سينتقلون من الأولى جذع مشترك إلى السنتين المواليتين في شعبتين أو أكثر (المسرح الغناء الرقص الموسيقى الرسم النحت...)
وهنا أتوقف لأسأل الآباء الثلاثة، ثلاثة أسئلة:
1/ سؤال في القانون: في أي باب - يدخل إنشاء هذا المسخ- من أبواب القانون التوجيهي للتربية الوطنية قانون رقم 08-04 المؤرخ في 23 جانفي 2008م؟
ولكم مني ثلاثة اقتراحات:
الأول: تكوين جيل متشبع بمبادئ الإسلام وقيمه الروحية والأخلاقية والثقافية والحضارية
الثاني : ترسيخ قيم ثورة 1 أول نوفمبر 1954م، ومبادئها النبيلة لدى الأجيال الصاعدة
الثالث : تقوية الوعي الفردي والجماعي بالهوية الوطنية باعتباره وثاق الانسجام الاجتماعي وذلك بترقية القيم المتصلة بالإسلام والعروبة والأمازيغية(من القانون التوجيهي المشار إليه سابقا والمنشور في الجريدة الرسمية العدد (04 من سنة 1429 ه / 2008 م)
2/ سؤال في الييداغوجية : ماهي مضامين المواد الأساسية في السنوات الثلاث، ومعايير ومقاييس التقويم التربوي وملمح المتعلمين والكفاءة الختامية عند نهاية كل عام دراسي وعند نهاية المرحلة الثانوية؟
ولكم مني ثلاثة اقتراحات أيضا:
الأول :
إذا كان الأستاذ بالدف ضاربا***فشيمة أهل المدرسة كلهم الرقص
الثاني :
قُم للمعلمِ وفّهِ التطبيلا ***كاد المتعلمُ أن يكونَ مُغنيا
الثالث :
وإذا أصـيبَ الـمتعلمون في فَنِهم***فـأقمْ عـليهم مـأتمًا وعـويلاً
3/ سؤال في الواقع : هل تعرفون أن المتعلمين منذ الابتدائي وهم في مجموعات على الانستغرام وسناب شات والتيك توك... يمارسون كل فروع الفنون، فلهم قصب السبق والقدح المعلى في التمثيل بنوعيه التراجيديا والكوميديا، والغناء بطبوعه الغربي والشرقي والمحلي (الأمازيغي والشعبي والراي والقناوة ... )والرقص بمختلف أشكاله ، والنحت على الحجارة والخشب والبلاستيك بل وحتى على الحديد، والرسم بكل الأبعاد ؛ بعدين وثلاثة وأربعة، ويزيد المتعلم في الفن ما يشاء ...وهم الأقدر أن يُعلِّموا أساتذة الوزارة (وبه توفر مخلفات المالية لعمال القطاع المتأخرة منذ سنوات ...) ...وإن أردتم التوثيق فلكم مختلف المنصات الالكترونية (ومنها تعرفنا نحن عامة الناس على إبداع المؤثرين الجدد...)فإن عجزتم فالمصطبات والسبورات والطاولات وحتى الجدران في أي مؤسسة تعليمية ...فهي تُصَدِّق أو تُكذِّب ما ادَّعينا
كنا نعلم أن جهاد ثُلَّة من المُصْلِحين - منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا- لإرجاع شعبة العلوم الإسلامية المغدور بها سنة 2007 م لن تجدي نفعا، لأن وراء أكمة إلغائها ليس الاختصاص المبكر ، فشعبة التسيير والاقتصاد التي يُوجه لها المتعلمون من جذع مشترك علوم اختصاص مبكر أيضا، لها في الجامعات الجزائرية معاهد وكليات عبر ربوع الوطن تجمع علوم الاقتصاد والتجارة والتسيير؛ لكنها فرضت على كل المؤسسات التعليمية لتكون البلاَّعة الحقيقة للتسريب المدرسي، وما يقال فيها، يقال في شعبة التقني رياضي بكل فروعها (الطرائق، الكهربائية، الميكانيكية، المدنية )
ولذلك لم يكن يتوقع - أسوء المتشائمين- أن باك علوم إسلامية سيُستبدل بباك تيك نوك { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْر} { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ} لاسميا ولم يطالب به أحد من داخل القطاع أومن خارجه ولم يُرافع لأجله أحد من التيار العروبي الإسلامي أو من التيار التغريبي الآئكي، ليكون عربون قربان يُقدم على طبق يخطب به مخترعه رضا العلمانية العالمية والمحلية { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ}
أليست شعبة الفنون إختصاص مبكر أيضا؟ فبالإضافة إلى منتوج المدارس العليا للأساتذة، في موادها الدراسية واختصاصاتها معاهد تحت الوصاية البيداغوجية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهي كافية لاستقطاب مريديها وإن كانت بعضها تتبع دوائر وزارية أخرى كوزارة الثقافة مثلا، وهذه المعاهد هي:
المعهد الوطني للتكوين العالي في الموسيقى
المدرسة العليا للفنون الجميلة
المدرسة الوطنية لحفظ الممتلكات الثقافية وترميمها
المعهد العالي لمهن فنون العرض و السمعي البصري
وفي مختلف الولايات، وهي : جامعة زيان عاشور (الجلفة) جامعة طاهر مولاي (سعيدة) جامعة ابن باديس (مستغانم) جامعة جيلالي اليابس (سيدي بلعباس) جامعة أبو بكر بلقايد (تلمسان) جامعة السانية (وهران) جامعة (معسكر) جامعة (قسنطينة) جامعة الحاج لخضر (باتنة) جامعة (الجزائر 2)
وقد حاولت الوزارة الوصية -سابقا- وباستبسال منقطع النظير وبالتحالف مع وزارة الثقافة ( انتاعنا) لتوسيع دائرة الفنون، فاستحدثت مناصب مالية كمناصب مادة الموسيقى 1532 منصب ولم يستغل كاملا حيث بقي منها 220 منصب شاغر، ومثلها في مادة الرسم فتح له 2321 منصب وبقي منه 321 منصب شاغرا ، فإحياء المشروع -في هذا التوقيت- بل وتوسيعه بهذه الآلية يطرح عدة تساؤلات بيداغوجية وتربوية ودينية وأخلاقية ومهنية وإقتصادية...
ويرى -المُنْصف- مدى استنزاف قدرات الدولة فيما لا واقع له في سوق العمل، بينما قُوِّض التعليم التقني ثم حذف سنة 2005 م رغم حاجة السوق لمنتوجه
إن الاقتطاع والحذف والتقزيم والتحجيم لمادة التربية الإسلامية من مرحلة الابتدائي (حصة من 45 دقيقة لمرتين في الأسبوع)والمتوسطة (حصة من ساعة لمرة واحدة في الأسبوع بمعامل 01 في السنوات الثلاثة الأولى، ويُدَرِسُها في أكثر المؤسسات أساتذة من غير أهل الاختصاص) إلى مادة العلوم الإسلامية في الثانوية (حصة من ساعة لمرتين في الأسبوع وبمعامل 02 ) كان له أثره السلبي على المتعلمين، والناظر على أعتاب المؤسسات التعليمية سيجد بالإضافة إلى الأمية الشرعية -التي لا يختلف في إثباتها لهم صبيان الكُتَّاب - صنوفا من الانحرافات الفكرية كالإلحاد والتنصير وعبدة الشيطان، ومن الانحرافات السلوكية كمظاهر التخنث والدعارة والخمور والمخدرات ، بل إن ملمح التخرج من المرحلة الثانوية لا يشير إلى هوية دينية ولا لغوية ولا وطنية ،بل يشير إلى اختلال ميزان الذكورة والأنوثة كما هو مقرر في أجندات قانون الجندر (Gender) في عدم التفريق بين الذكر والأنثى على أساس فطري أو بيولوجي أو ديني والاعتماد على الأساس النفسي والاجتماعي (انظر المصطلح كما عرفه صندوق الأمم المتحدة للإنمائي للمرأة، المكتب الإقليمي للدول العربية )
وللوصاية أن تسأل نقطة تماس التلاميذ مع العالم الخارجي، وهي المعلم والأستاذ{ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} لتعلم أن ملاحظاتنا السابقة ليست ملاحظات مظاهر فردية منعزلة، بل هي سياسة ممنهجة وبطريقة محكمة وبوسائل الإعلام والاتصال الحديثة التي هي معلنة أحيانا ومخفاة في أحيانا كثيرة { وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ}
وكيف يُحَصَّنُ المتعلمون من الانحرافات السابقة في ظل الطغيان المعلوماتي والشبكي؟ (والدولة تصرف مبالغ طائلة في إقامة المؤسسات والبرامج لمحاربته) ومضامين أصول التربية والتهذيب في مادة-العلوم الإسلامية- لا يتعدى تدريسها نسبة 6،25 % من مجموع ما يتلقاه المتعلم في هذه المرحلة التعليمية، وهل يُحَقِقُ هذا القدر -من التعليم-المقاصد التي وضعها المشرع الجزائري في القانون التوجيهي، وعلى وجه الخصوص في نقاطه الثلاثة المذكورة أعلاه؟ (تكوين جيل متشبع بمبادئ الإسلام وقيمه الروحية والأخلاقية والثقافية والحضارية وترسيخ قيم ثورة 1 أول نوفمبر 1954م، ومبادئها النبيلة وترقية القيم المتصلة بالإسلام والعروبة والأمازيغية)
ويعلم القاصي والداني في المجتمع الجزائري أن نهاية مرحلة المتوسطة وبداية مرحلة الثانوية أخطر المراحل العمرية على الإطلاق، يقول أهل الاختصاص : لأنها (تزامن مرحلة حساسة وحرجة من أطوار حياة المتعلم وهي مرحلة المراهقة هذه المرحلة التي تتميز بجنوح صاحبها إلى الإفراط و التفريط في كل شيء بسبب أحاسيسه الفياضة وغرائزه الجياشة و التي تنصب كلها في بوتقة إثبات الذات بشتى السلوكيات ولو كانت منحرفة، ،مما يتطلب تعاملا حكيما وعلميا معه ،حتى لا يؤدي اكتساب المعرفة إلى ردود فعل تكون نتائجها عكس المأمول ،أو تفقد المتعلم الثقة في مصداقية ما يتلقاه من توجيهات ،كما تزامن هذه المرحلة من التعليم نموا ملحوظا في الإدراك عند المتعلمين،مما يجعلهم لا يتعلقون بالملموس فقط ،بل يتطلعون إلى عالم الأفكار والتجريد ويبحثون عن المثل العليا والقدوة المميزة.) من منهاج مادة العلوم الإسلامية الصادر من الوزارة الوصية عام 2005 ص2
فهل استحداث باك (تيك توك) يُسْهِم فيما مضى؟ فإن لم يكن فتريثوا واستشيروا المخلصين من أهل الاختصاص والشركاء الاجتماعيين، فما خاب من استشار
أيها الثلاثة: قد استرعاكم الله على أعظم مجالات البناء في الوجود الإنساني (التربية والتعليم) وبها قد أوقفكم الله على أعظم ثغور العباد والبلاد ومنه ولج أعداء الداخل والخارج
والانطلاق يكون بإصلاحات شاملة وكاملة للبرامج الدراسية في الأطوار الثلاثة وإعطاء التربية الإسلامية المكانة اللائقة بها، مع غرس القيم الدينية والروحية والنظر في كيفية حماية المتعلمين من الأفكار الهدامة والغزو التغريبي، ولا تكتمل هذه الإصلاحات من غير إرجاع الهيبة -المسلوبة عمدا- للمربين بإصدار قانون يضمن حقوقهم التربوية والبيداغوجية، ويُسهل عليهم العملية التربوية والتعليمية ويحفظ لهم كرامتهم بالعيش الكريم، ويمنع من عرقلة عملهم والاعتداء عليهم حقيقة واعتبارا...
وهذا المشروع هو أفضل استثمار تقدمونه بين يدي أمتكم؛ لأنه استثمار في الشباب ، الطاقة التي لا تنضب ليكون ذخرا لدينه وبلده وأمته ، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول في أهل المسؤولية :
«مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» رواه مسلم
وما مضى هو استباق لما قد يحدث في المستقبل القريب بعد التصريحات الأخيرة للمسؤول الأول عن القطاع ، وقلت ما قلت لاستشعاري بواجب النصيحة والبيان الوارد في قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } وواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوارد في قوله تعالى: { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ }
وفي انتظار التأكيد الرسمي لاستحداث الشعبة من عدمه ليس لي بعد البيان والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا الاعتصام بالله الواحد الأحد الفرد الصمد جَلَّ في علاه، ثم استنهاض هِمَم أهل الاختصاص من العلماء والدعاة والتربويين والأكاديميين وعمال قطاع التربية وكل الغيورين على التربية الحسنة لشباب الأمة
وأختم بسؤال بريء أهمس به في أذن أساتذتنا في مادة العلوم الإسلامية، هل ترى أن المادة سُتُقرر في شعبة الفنون ؟ وكيف تتصور نفسك وسط متعلميها ؟
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُطاع فيه أمرك، ونهيك ويَنْفذ فيه حكمك وشرعك