img img

تنبيه

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، نُرَحِّبُ بِجَمِيعِ أَعْضَاءِ "مَجَالِسِ العِلْمِ النَّافِعِ" وَزُوَّارِهَا، ونَدْعُوهُم للاطِّلَاع عَلَى بُنُود وقَوانٍينٍ المَجالِسِ ، وَفَّقَنَا اللهُ جَمِيعًا لحُسْنِ الإِفَادَةِ والاستِفَادَةِ

العودة   مَجَالِس العِلْمِ النَّافِعِ > مَجَالِسُ العِلْمِ النَّافِعِ لِشُيُوخِ ودُعَاةِ أَهْل السُّنَّةِ بالجَزَائرِ –حَفِظَهُمْ اللهُ-. > مجالس فضيلة الشيخ أبي عبد الباري شريفي العيد –حفظه الله-
التسجيل التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-06-2020, 03:06 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سماعيل السلفي
مشرف







سماعيل السلفي غير متواجد حالياً

افتراضي رسالة الشيخ أبي عبد الباري العيد شريفي...

رسالة الشيخ أبي عبد الباري العيد شريفي في الردّ على بعض من انتقد فتواه حول حكم صلاة التباعد:
قال –حفظه الله-:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على النبيّ الخاتم الأمين، أما بعد:
فبَعدَ بَياني لحُكم صلاة التباعُد؛ تعالَتْ أصواتُ المتطفّلين على العِلم؛ مُعتمِدين على فهمٍ خاطئ لحديث النبي صلى الله عليه و سلم: «إذا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَان، وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ».
وهو في الحقيقة حديثٌ خاصٌّ بالحُكّام، والدّلالة منه واضحةٌ وضوحَ النّار!
«إذا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ». فمَنْ ألحقَ المفتين به فقدْ أخطأَ خطأً فاحِشًا.
وهذا الفهم الخاطئ دَفَعَ كُل َّمنْ هَبّ ودَبّ للتجرّأ على الفُتيا؛ مادامَ الأجرُ حاصِلًا له في الحالين كلَيهما!
ومن نظرَ بعَين الفِقه لحديث أبي هريرة القائل: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم: «مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا غَيْرَ ثَبَتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ»؛ تبيّن له وتأكّد سوءُ فَهمِهم للحديث السابق؛ ذلك لأنّ فيه دلالة على إثم مَنْ أفتى بغير الكتاب والسنة، فمِنْ أين له الأجر؟
ويتأكّد إلجامُ أفواه هؤلاء المتجرّئين، وكسرُ أقلامهم بحديث جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما قال: خرَجْنا في سَفَرٍ على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأصابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ؛ فَشَجَّهُ في رَأسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فقال: هَلْ تَجِدُونَ لي رُخْصَةً في التَّيَمُّم؟ فقالوا: ما نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً؛ وأنتَ تَقْدِرُ على الماء، فاغْتَسَلَ فمَاتَ! فلَمَّا قَدِمْنَا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بذلك، فقال: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللهُ! أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟! فَإِنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَال. إِنَّما كان يَكْفِيه أَنْ يَتَيَمَّمَ».
فهؤلاء الذين أفتوا الرّجلَ مع كَونِهم مِنْ خِيرة الناس؛ أي من الصحابة –رضي الله عنهم-؛ ومع "إجماعهم" على الفتوى، واعتمادِهم على نَصٍّ شرعي؛ وهو قول الله سبحانه: «فإنْ لمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا».
أقول: ومع ذلك كلّه فإنّ فتواهم كانت خارجةً عن التدليل؛ لأنّهم أساؤوا إنزالَ الحُكم العام على الأعيان. والأمر في مثل هذه الحال يرجع إلى المضطرّ -المستَفتي- لا إلى الـمُفتي؛ لأنه قال لهم: "هل تجدون لي من رخصة؟"، ولو تُرك ونفسَه لترخَّص؛ لأنّ مَرجِعَ تحديد الضرورة يعود إلى المضطر لا إلى المفتي.
يؤكّدُ هذا ويدعَمُه تصرّفُ عمرو بنِ العاص رضي الله عنه؛ حين خالف "إجماع" الحاضرين في نازلته، وعمل باجتهاده، فتأمّله يا طالب الحق!
قال -رضي الله عنه-: احْتَلَمْتُ في لَيْلَةٍ بارِدَةٍ؛ في غزوة ذاتِ السَّلاسِل، فأَشْفَقْتُ إن اغتَسَلْتُ أنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثم صَلَّيْتُ بأصحابي الصُّبْحَ، فذَكَروا ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ -ومنْ هذه العبارة فهِمنا إجماعهم-، فقال: «يا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بأصحابكَ وأنتَ جُنُبٌ»؟ فأخبَرتُهُ بالذي مَنعَني مِنَ الاغتسال، وقُلْتُ: إنّي سَمِعْتُ اللهَ تبارك وتعالى يقول: «ولا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا»، «فَضَحِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولَمْ يَقُلْ شَيْئًا».
أعودُ فأقول: لو أنّهم أحْسنوا فَهمَ النُّصوص؛ لأحْجَموا عن الفتوى، ولَمَا حَيَّرُوا الأمّةَ؛ كما حَيَّرَها "دُعاةُ وُجوب طاعة الحاكم؛ -على كلّ حال؛ في المعروف وفي المنكر-"! فقد سُئل أحدُهم أسئلةً؛ كان منها ما يلي:
(شيخنا! كما يخفى على شريف عِلمكم [هكذا لفظه؛ -وهو كما قال-]؛ ما قرّره وليُّ الأمر -وفقه الله-؛ إلى فتحٍ جُزئيّ للمساجد، وما يَصحبَه مِنْ مسائل فقهيّة؛ لا بدّ للمسلم مِن معرفة حُكمها؛ وهي: التباعد بين المصلين. وقد تصِلُ الفَجوة إلى متر أو تزيد؟ فأجاب الشيخ؛ -الذي خَفِيَ على شريف علمه-: أمّا عن السؤال الأوّل؛ فالصلاة مع وجود الفرج مكروهة؛ لكن ترتفعُ الكراهة بالضرورة! وما دام وليُّ الأمر قد أمرَ؛ بذلك فهي ضرورة!). اهـ
فهل تتحقّقُ الضرورةُ بمجرّد الأمر؛ دون إلزام؟! وهل تُنسخ الكراهة الشرعيّةُ بأمرِ وليّ الأمر -المشرّع الجديد-؟! والرسولُ صلى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما الطاعةُ في المعروف»! اللّهم إلّا إذا أخْرجنا الحاكِمُ بالقوّة من بيوتنا وألزَمَنا بأمره! ومع ذلك يجوزُ لنا وقتَها أنْ نتظاهر بفعل حَرَكاتِ الصلاة؛ لندفعَ عن أنفُسنا شرَّه.
وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: «اِقْتَدُوا باللَّذَيْن مِنْ بَعدي؛ أبي بكر وعمر». وقوله: «عليكُم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين مِنْ بَعدي»؛ لم يُلزِمْ عَمَّارًا بمَذهَبه؛ فعنْ عمّار رضي الله عنه أنّ رَجُلًا أتى عُمَرَ، فقال: إنّي أَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فقال: "لا تُصَلِّ". فقال عَمَّارٌ: "أمَا تَذْكُرُ يا أميرَ المُؤْمنين؛ إذْ أنا وأنت في سَرِيَّةٍ، فأجْنَبْنا، فلمْ نَجِدْ ماءً، فأَمَّا أنت فَلَمْ تُصَلِّ، وأمّا أنا فتَمَعَّكْتُ في التّراب، وصَلَّيْتُ، فقال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنّما كان يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ ثم تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وكَفَّيْكَ»"؟ فقال عُمَرُ: "اتَّقِ الله يا عَمَّارُ"! قال: "إنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِه". فقال عُمَرُ: "نُوَلِّيكَ ما تَوَلَّيْت".
عَلِمَ عُمَرُ رضي الله عنه أنّ أمرَ عمارٍ رضي الله عنه بمُخالفَة ما عندَه مِنْ عِلمٍ ليسَ مِنْ حَقِّه، ولا أمرَ رسولُ الله بطاعته في ذلك، فاستَعْمَلَ الحقَّ الذي أعطاه الله؛ قائلا: "اتَّقِ الله يا عَمَّارُ"، ثم زاد: "نُوَلِّيكَ ما تَوَلَّيْت".
فأقولُ هذه المرّة؛-وبالله تعالى التوفيق-؛ مُفصِّلا تفصيلًا -مملّا-! لعلّ الله أنْ يُبَصِّرَ أعيُنًا عُميًا وقُلوبًا غُلفًا:
إنّ صلاةَ المأموم على عَهدِ النبي صلى الله عليه وسلم كانت على النحو التالي:
1- يُصلّي مُنفردًا؛ مع الإمام؛ فيكونُ عن يمينه؛ كما في حديث ابن عباس: "فقُمْتُ عن يَسَاره، فأخَذَ بأُذُني فأدارَني عن يَمينِه".
2- يُصلّي اثنان؛ فما فوق؛ فيكونون خلْف الإمام؛ من حيثُ يبدأ الصف؛ لا عن يمينه ولا عن شماله. قال أنس: "وصفَفْتُ أنا واليتيمُ وراءَه".
3- يقومُ المأمومُ عن يمين الإمام؛ والصفوفُ وراءه. عن عائشة قالت: "فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى جَلَسَ عن يَسار أبي بكر؛ فكان أبو بكر يُصلّي قائما، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي قاعدًا؛ يَقْتَدي أبو بكرٍ بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم". [وهذه هيئة خاصة بحالة مَرَض الإمام، وإلّا فقدْ ثبتَ أنّ أبا بكر تَقَهْقَرَ ودخلَ في الصفّ؛ لمّا قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم].
4- تقوم المرأة مُنفردةً خَلفَ الصفّ أو الصفوف. عن ابن عباس: صَلّيتُ إلى جَنْبِ النّبي صلى الله عليه وسلم، وعائشةُ خلفَنا تُصلّي معنا. وعن أنس بن مالك أنّ جَدَّتَه مُلَيْكَةَ دَعَتْ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فأَكَلَ منه، ثمّ قال: «قُومُوا فَأُصَلِّيَ لَكُمْ». قال أنسُ بنُ مالك: فَقُمْتُ إلى حَصِيرٍ لنا قد اسْوَدَّ مِنْ طولِ ما لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بماءٍ، فقامَ عليه رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم وصَفَفْتُ أنا، واليَتيمُ وَرَاءَهُ، والعجوزُ مِنْ ورائنا، «فصَلَّى لنا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم رَكْعَتَيْن، ثمّ انْصَرَف».
في الحديثين دلالة على أنّ المضطرّ الذي لم يَجِدْ فُرجةً في الصف يُصلّي وحدَه؛ كما فَعَلَتْ مَنْ لا يَصِحُّ لها أنْ تصِفَّ مع الرجال.
5- تصلي المرأة وحدها؛ مع الإمام. قال صلى الله عليه و سلم: «إذا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ مِن اللَّيْلِ وأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ؛ كُتِبَا مِن الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا والذَّاكِرَاتِ». ولم يَذكُر النبيُّ كيف يُصلِّيا؛ لكنّنا نفهمُ -مِنْ خِلال النصوص الأخرى- أنّ المرأة لا تَصفُّ مع الرجال. إذن؛ مَوقفُها وحدَها خلفَه.
ولا نعلمُ أنّ صحابيا صلى مُنفرِدًا أمام الإمام، أو بين الإمام والصف الأول، ولا مُنفردًا بين الصفوف، أو مُنفرِدًا عن يمين الصف أو عن يساره. بل أمر صلى الله عليه وسلم بإقامة الصفوف، والتراصّ فيها؛ فقال: «أقيمُوا صُفُوفَكُمْ فإنِي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي». وقد بيّنَ أنسٌ رضي الله عنه كَيْفِيَّةَ ذلك؛ فقال: "وكان أحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صاحِبِهِ، وقَدَمَهُ بِقَدَمِه"، وقال النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: "رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ".
ولا أريد الإطالة؛ فمنْ أرادَ الزيادة فلْيرجع إلى الأحاديث المبيِّنة اهتمامَه صلى الله عليه وسلم بتسوية الصفوف بنفسه.
وأما مَنْ خالفَ الهدْي في صلاته؛ فإنَّ حُكمَه إلى نبيّه صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ عليِّ بنِ شَيْبَانَ رضي الله عنه قال: خَرَجْنا حتّى قَدِمْنَا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فبَايَعْنَاهُ، وصَلَّيْنَا خَلْفَه, ثمّ صَلَّيْنَا وراءَه صلاةً أخرى، فقَضى الصّلاةَ فرأى رجُلًا فَرْدًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، «فَوَقَفَ عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم؛ حتى قَضَى الرَّجُلُ صَلَاتَهُ، ثمّ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اسْتَقْبِلْ صَلَاتَكَ فإنَّهُ لا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ».
وعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رضي الله عنه قال: «رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ؛ وَحْدَهُ، فأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاة». وعنه قال: حدثني هذا الشيخُ أنّ رَجُلًا صلَّى خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم، وَحْدَهُ، لم يَتَّصِلْ بأَحَدٍ، فأَمَرَهُ أنْ يُعيدَ الصَّلاة».
وفي سنن الدارمي بإسناد جيّد: عن هِلال بن يَسَافٍ؛ قال: أخَذَ بِيَدِي زِيَادُ بْنُ أبي الْجَعْدِ، فأقَامَني على شَيْخٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ له: وَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، فقال: حدَّثَني هذا -والرَّجُلُ يَسْمَع- أنّه رأى رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم وقَدْ صلّى خَلْفَهُ رَجُلٌ، ولمْ يَتَّصِلْ بالصُّفُوفِ، «فأَمَرَهُ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يُعيدَ الصَّلاة».
ويجدُر التنبيه هنا إلى أنه يجبُ على طالب العلم؛ قبل أنْ يتكلّم في مسألة ما؛ أنْ يجمَع ألفاظَ النصوص، ثم يُنَقِّحُ المناط؛ لِيَصِلَ إلى معرفة مَقصَد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنّ قولَه صلى الله عليه وسلم: «اسْتَقْبِلْ صَلاتَكَ فإنَّهُ لا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» وقولَه: فأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاة» وقوله: «فإِنَّهُ لا صَلاةَ لِفَرْدٍ»؛ كلُّ هذه الألفاظ نَصٌّ في الدلالة على بطلان الصلاة. فلا يَبقى لمُتأوِّلٍ أنْ يَخرُجَ عن النصّ بوجهٍ مِنَ الوُجوه.
ولقد رَتَّبَ النبيُّ الحُكمَ على وَصفين:
الأول: مُنفرِدًا.
والثاني: خلف الصف.
فهل الحُكم مُناطٌ بهما معًا؟ أو بوَصفٍ واحد فحسب؟
والذي يَظهرُ أنّ الوصفَ الثاني إنما ذُكِرَ لبَيانِ واقِعٍ؛ لا للِاحتراز. وهذا كنَهْيِه عن تلقّي الركبان؛ فإنه وَصفٌ لبَيان واقعٍ؛ وليس للاحتراز؛ ذلك لأنّنا لو أنَطْنا الحُكمَ بالوصف الثاني لأَجَزْنا تلقّي المشاة، والنبيُّ صلى الله عليه لم يَقْصِدْ ذلك؛ وإنّما قَصَدَ الباعة مُطلقا؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ، فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ، «فنَهَانَا النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَبِيعَهُ حتّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَام». فقد دَلَّ قولُه: «حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ»؛ على المعنى الذي ذكرناه. وأنبّه هنا إلى أنني لم أذكُر هذه المسألة من باب القياس؛ وإنمّا ليَفهَم القارئ. قال الإمام البخاري: (باب مَنْ شَبَّهَ أَصْلاً مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُمَا، لِيُفْهِمَ السَّائِلَ). لا قياسا كما قد يفهَمُه البعض.
فقولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «خَلْفَ الصَّفّ»؛ هو لبيان واقعٍ وليس للاحتراز؛ ذلك لأنّنا لا نعلم أنّ صحابيا صلى بحضرته؛ مُنفردًا؛ قبل الإمام، ولا وراءه؛ قبل الصف الأول، ولا مُنفردًا؛ بين الصفوف، ولا مُنفردًا؛ عن يمين الصف، ولا عن شِماله؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم كان يقومُ بنفسه على تسوية الصفوف وتراصّها وإتمامها. فتعلّق الحكم بانفراده.
يوضح ذلك قولُ عليّ بنِ شَيْبَانَ رضي الله عنه؛ قال: «فَرَأَى رَجُلًا فَرْدًا يُصَلِّي»، وقولُ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رضي الله عنه: "وَحدَه لم يَتَّصِلْ بأَحَد"، وفي الرواية الأخرى: "وَحْدَهُ". فهذه الأوصاف كلُّها مُوافِقة لقوله صلى الله عليه وسلم: «لِفَرْدٍ».
- فأعجبُ ممّن تكلّم في هذه المسألة؛ دون تحقيق ولا تنقيح! ثم يقول: (هكذا علّمنا شيخُنا -يقصدني-)!
فأقول له: بارك الله فيك؛ لا تتقوّل علي! فأنا إنما علّمتك أنْ تدرُس كلَّ مسألة على حِدَة؛ هذا مِنْ جِهة، ومِنْ جهة أخرى فأنا على قَيْدِ الحياة؛ فهلّا راجعتني؛ بارك الله فيك؟! فإنّ عند جُهينة الخبر اليقين!
و"شيخنا" -العيدُ بنُ سعد شريفي-؛ علَّمنا أن لا ننشُر ما نكتب على الملإ، قبل أن نتدارسه مع إخواننا طلبة العلم! فإنْ أبَيْتَ إلّا أنْ تُظهر عَضَلاتك؛ فراجِع مَنْ شِئْتَ ممّن ترضى مِنْ أهل العِلم قبلَ أن تَنْشُرَ على النِّت!
فوصف الصحابِيَّيْن للمنفرِد موافِقٌ لوصف النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأين مُخالَفتُهما لقول الرسول صلى الله عليه و سلم؟ فإنّ الأمر بالإعادة قائم على هذا الوصف؛ لا على غيره. فإنْ ركبنا رؤوسَنا -كما يقول الجزائريّ- رتّبنا الحُكم على الوصفين، ولَزِمَنا القولُ بتصحيح صَلاةِ مَنْ صلّى مُنفرِدًا؛ قبلَ الإمام أو قبل الصف الأول، وكذلك لو صلّى مُنفردا بين الصفوف! وكذا مُنفردا عن يمين الصف أو عن يساره! ومعلومٌ أنّ مثل هذه الصلاة لا يُعقل أنْ تُفعَل بحضرته -صلى الله عليه وسلم-؛ ثم يجيزُها؛ وهو الذي كان يسوّي الصفوف بنفسه.
عن البراء بن عازب قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَخَلّلُ الصَّفَّ مِنْ ناحيةٍ إلى ناحيةٍ؛ يمسحُ صُدورَنا ومَناكِبَنا، ويقول: «لا تَخْتَلِفُوا فتَختَلِفَ قُلوبُكم». وعنه قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُسَوّي صُفوفَنا إذا قُمْنَا للصلاة، فإذا استَوَينا كبّرَ». فلم يكنْ صلى الله عليه وسلم يكبّر حتى يُتمّ تسوية الصفوف بنفسه. وهذا لعظم الأمر! لا كما يظنّه بعض الناس؛ فيَصِفُه بالكراهة أو الاستحباب. فتنبه!
وهو صلى الله عليه وسلم الآمِرُ برَصّ الصفوف؛ فعن أنس بن مالك قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رُصُّوا صُفوفَكم، وقَاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق؛ فوالّذي نفسي بيده إنّي لأرى الشيطانَ يَدخلُ مِنْ خَلَلِ الصفّ؛ كأنّها الحَذَفُ». وعنه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتِمُّوا الصَّفَّ المُقدَّم، ثم الذي يليه، فما كان مِنْ نقصٍ فلْيَكُنْ في الصف المُؤخّر».
وهو كذلك الآمِرُ بسَدِّ الفُرَج؛ فقال: «أقيموا الصُفوفَ، وحاذُوا بين المناكِبِ، وسُدُّوا الخَلَلَ، ولِينُوا بأيْدي إخوانِكم، ولا تَذَروا فُرُجاتٍ للشَّيطان، ومَن وصلَ صفًّا وصلَه اللهُ، ومَن قطعَ صفًّا قطعَه الله».
فهل يَدْعو صلى الله عليه وسلم على مَنْ ترك مستحبا أو وَقَعَ في مكروه؟ وهو الذي كان يَطْرُد طَرْدًا مَنْ صلّى بين السواري؟! فعَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا».
فلا أدري كيف يجرأ مُسلمٌ على مُخالفَة هذا الهَدْي؛ مُتَعَمِّدًا؛ مُعْتَمِدًا على أقوال عُلماء!
فما هي حُجّتُه في القبر؟ يوم يأتيه المَلَكانِ، فيُجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري! فيقولان له: ما دينُك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري! فيقولان له: ما هذا الرجلُ الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري!
ورحم اللهُ الشيخَ محمد بن عبد الوهاب القائل: (باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحلّ الله أو تحليل ما حرّمه؛ فقد اتّخذهم أربابا من دون الله).
وليحذَرْ يومًا قال الله فيه: «ويَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ, أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلمُتَكَبِّرِينَ». وقوله: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا, أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ, وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ, أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ». وقوله: «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ, هَذَا حَلَالٌ, وَهَذَا حَرَامٌ, لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ, إِنَّ الذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ, مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»).
ولقد احتجَّ بعضُهم بحديث ابن عباس: "صَلَّيتُ إلى جَنْبِ النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشةُ خلفَنا تُصَلّي معنا، وأنا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم أصلي معه". وبحديث أنس قال: "فقُمْتُ إلى حَصيرٍ لي قدْ اسودَّ مِن طُول ما لُبس، فنَضَحْتُه بماء، «فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم».
فأقول: اعلمْ أنّ الذي أقرّ صَلاتَها ولمْ يأمُرْها بالإعادة؛ هو الذي أمرَ المنفرِد؛ مِنَ الرجال أنْ يُعيدَ الصلاةَ ويَستقبلها. فلو صَلَّتْ امرأةٌ مُنفرِدَةً؛ ولم تتّصِلْ بصفوف النساء لحَكَمْنا على صَلاتها بما حَكَمَ به النبي صلى الله عليه وسلم على المنفرد، فنقولُ لها: اسْتَقِبلي صلاتَكِ، وأَعيديها.
والحديثان يُستفادُ منهما حُكم صلاة مَنْ لم يَجِدْ فُرجَةً فصلّى منفردا؛ اِضطرارًا؛ فهذا صلاته صحيحة؛ لأنّ الله لا يُكلِّفُ نَفسًا إلا وُسعَها.
قال ابن خزيمة رحمه الله في "صحيحه": "واحتجّ بعضُ أصحابنا، وبعضُ مَنْ قال بمذهب العراقيين في إجازة صلاة المأموم خلف الصف وحده؛ بما هو بَعيدُ الشَّبَه من هذه المسألة؛ احتجّوا بخبر أنس بن مالك؛ أنه صلّى وامرأةٌ خلْف النبي صلى الله عليه وسلم فجَعلَه عن يمينه، والمرأةُ خَلْفَ ذلك، فقالوا: إذا جازَ للمرأة أنْ تقومَ خَلْفَ الصفّ وحدَها؛ جازَ صلاةُ المصلّي خلْف الصفّ وحده! وهذا الاِحتجاجُ عندي غَلَط؛ لأنّ سُنّة المرأة أنْ تقومَ خَلْفَ الصفَ؛ وحدَها؛ إذا لم تكنْ معها امرأةٌ أخرى، وغيرُ جائز لها أنْ تقومَ بحِذاء الإمام، ولا في الصفّ مع الرجال، والمأمومُ مِنَ الرجال إنْ كان واحدا؛ فسنّتُه أنْ يقومَ عن يمين إمامه، وإنْ كانوا جماعة قاموا في صفٍّ خلْفَ الإمام؛ حتى يَكمُل الصفُّ الأول، ولم يَجُزْ للرجل أنْ يقومَ خلْفَ الإمام والمأمومُ واحد، ولا خِلاف بين أهل العلم أنّ هذا الفعل لو فَعله فاعِلٌ -فقام خلف إمامٍ ومأمومٍ قد قام عن يمينه- خلافُ سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنْ كانوا قد اختلفوا في إيجاب إعادة الصلاة. والمرأة إذا قامَتْ خلْفَ الصفّ؛ ولا امرأةَ معها، ولا نِسوةَ فاعلةٌ ما أُمرت به، وما هو سُنّتُها في القيام، والرجلُ إذا قام في الصف وحده؛ فاعِلٌ ما ليس مِن سُنّته؛ إذْ سُنّتُه أنْ يَدخل الصفّ؛ فيصطفّ مع المأمومين، فكيف يكونُ أنْ يُشبّه ما زُجر المأموم عنه -مما هو خلاف سنّته في القيام- بفعل المرأة؛ فعلتْ ما أُمرِتْ به؛ مما هو سُنّتها في القيام خلْف الصفّ وحدها ؟! فالمشبِّه المنهيَّ عنه بالمأمور به مُغفَّل بَيِّنُ الغَفلة، مُشبِّهٌ بينَ فِعْلَين مُتضادَّين؛ إذْ هو مُشبِّهٌ مَنْهيًّا عنه بمأمورٍ به، فتَدَبَّروا هذه اللفظة يَبِنْ لكم بتوفيق خالِقنا حُجّة ما ذكرنا". اهـ
هذا؛ واللهَ أسألُ السَّداد والتوفيق؛ فهو وَحْدَه الهادي إلى الصراط المستقيم.
والحمد لله رب العالمين.
• أذِنَ بنشره شيخنا أبو الباري زاده الله من فضله.







التوقيع



قال تعالى:" وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا"
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:45 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions, Inc.
جميع الحقوق محفوظة لمجالس العلم النافع
اختصار الروابط