سلسلة الأصول العلمية للدعوة السلفية
(المقدمة)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن من أعظم نعم الله علينا بعد الإسلام أن وفقنا الله عز وجل إلى الإلتزام بمنهج السلف الصالح رضي الله عنهم ،((قال أبو العالية –رحمه الله-:"قرأت المحكم بعد وفاة نبيكم صلى الله عليه وسلم بعشر سينين،فقد أنعم الله عليّ بنعمتين،لا أدري أيهما أفضل :أن هداني للإسلام ،ولم يجعلني حروريًا!!" يريد نعمة الهداية للإسلام من بين الملل الكافرة ،ونعمة الهداية إلى السنة من بين الطوائف المبتدعة؛وكانت بدعة الخوارج الحروريين أشدها خطفًا للقلوب وترويعًا للمسلمين !والله العاصم "))(1) .
ومنهج السلف الصالح هو فهم الإسلام فهمًا صحيحًا ينجي المسلم من النار ويدخله الجنة مع الأبرار ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ،وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة ،وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا من هي يا رسول الله ؟ ،قال:ما كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي"(حسنه كثير من أهل العلم ) ،بفهم من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"رواه البخاري.
وهذا المنهج العظيم يدعونا إلى التفقه في الدين و"من يرد الله به خيرا يفقه في الدين " ،ويضع لنا أصولا وقواعدا تأخذ بأيدينا إلى فهم الدين فهمًا صحيحًا
فليس الفقه في الدين جمع معلومات فحسب ؛بل أن يكون الإنسان عنده أصول صحيحة ينطلق منها في فهم الكتاب والسنة؛فحتى وإن كانت معلوماته قليلة ،ولكنه بها وبتوظيفها توظيفا صحيحا سيتفوق بكثير على من يجمع معلومات متفرقة وإن كثرت ؛لأنه مع ذلك يتخبط في أمور كثيرة وكبيرة ،ولا يهتدي سبيلا ،وكما قيل:" من حرم الأصول حرم الوصول".
وانظروا رحمكم الله إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كيف مكَّّن الرُّجل العامي الموحِّد بأسلحة فتاكة يبيد بها شبهات أهل الباطل في كتابه العظيم "كشف الشبهات "؛فمما قاله الشيخ رحمه الله:"وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا فنقول:
جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل، ومفصل. أما المجمل فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ [آل عمران:7]، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أنه قال: { إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم }.
مثال ذلك إذا قال لك بعض المشركين: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، أو استدل بالشفاعة أنها حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله أو ذكر كلاماً للنبي يستدل به على شئ من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك: إن الله ذكر أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ [يونس:18] هذا أمر محكم بين، لا يقدر أحد أن يغيير معناه، وما ذكرته لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- لا أعرف معناه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخالف كلام الله عز وجل، وهذا جواب سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله تعالى، فلا تستهن به فإنه كما قال تعالى: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35]. "ثم ذكر رحمه الجواب المفصل (2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :"لابد أن يكون مع الإنسان أصول كُلًية يرد إليها الجُزئيات؛ليتكلم بعلم وعدل،ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت ؛وإلا يبقى في جهل وكذب في الجزئيات ،وجهل وظلم في الكليات ؛فيتولد فساد عظيم "(3)
وسأذكر في سلسلة متصلة بعض من هذه الأصول أو القواعد التي ذكرها أهل العلم ،وعذرا إن لم أحسن ترتيبها كما ينبغي ،ولكنها إن شاء الله صحيحة والله أسال أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه ،وأن يهدينا سواء السبيل
--- -----------------------------------------------------
(1)مدارك النظر للشيخ المبارك عبد الملك الجزائري ص29 الطبعة الرابعة 2001مكتبة الفرقان الامارات
(2)ونضرب لذلك مثلاً آخر؛فنقول :لو تعلم شخص أن أربع أو خمس أمور بدعة ولا شئ فوق ذلك ، فإنه لو أتته البدعة السادسة لن ينكرها بينما لو تأصل عنده أن الأصل الإتباع لا الإبتداع فسيستطيع رد الآلآف من البدع بهذا الأصل العظيم
(3) منهاج السنة النبوية (5/83)