سيكولوجية الاسلاموفوبيا
بين الاستشراق النخبوي والإعلام الجماهيري
(الحلقة 1)
د: يزيد حمزاوي
يتناول المقال موضوعا من أعقد الموضوعات وهو سيكولوجية التخويف من الإسلام أو الاسلاموفوبيا في الفكر الغربي القديم والحديث، متمثلا في الاستشراق ثم الإعلام الغربي الجديد، ويبين منطلقات ذلك الفكر ودوافعه وأسبابه وتجلياته المختلفة، ثم التغيرات التي حدثت بعد اندحار الاستعمار وظهور الولايات المتحدة الأمريكية كمركز قوة جديدـ، والتحولات في الطرق والأساليب الاسلاموفوبية في الإعلام الحديث التي تسعى لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، كما يظهر أن الاستشراق والإعلام الغربي يمارسان لعب أدوار الهدف منه إقصاء الإسلام واستتباع المسلمين لمنظومة العولمة التي يفرض شروطها الغرب.
إن تاريخ البشرية للأسف، كما شاهدناه في كتب التاريخ، رحلة طويلة ومريرة من الصراعات والصدامات والحروب التي أكلت الأخضر واليابس، بين المجموعات البشرية والشعوب المختلفة والمتضادة في مصالحها الكثيرة، وتسببت في العديد من الإبادات الجماعية والجرائم الوحشية والويلات والشقاء...حروب بسبب كل شي ومن أجل لا شيء...الماء والقوت والأرض والدين والسياسة والسيادة...إلخ كلها كانت مسوغات لشن الهجمات وافتعال الأزمات، وتأجيج العداوات وإعلان الحروب وفي أحسن الأحوال وأجمل اللحظات كانت تنتهي الحروب الساخنة بأخرى أقل همجية، هي حروب باردة أو مقاطعات أو حصارات، أو تتخذ شكلا رمزيا من العنف والاعتداء والعدوان وحملات النقد والحقد، والكراهية والتخويف بين الخصوم المنتمين لشتى البلدان والدول أو التابعة لإيديولوجية معينة أو ديانة ما.
كان هذا في الماضي ومازال، بل زاد الأمر استفحالا بدخول عوامل أخرى اُتخذت أسلحة كالعلم والفكر والتكنولوجية.. يقول باتريك لود: "لقد أصبحت مشكلة التنوع الديني، ونتائجها المتمثلة في الصراع الديني، وصدام الحضارات بين الإسلام والغرب، من بين الصراعات الكثيرة، ونجد من جهة أخرى أن العولمة وتكنولوجيا المعلومات قد وفرت بصورة واسعة وبصورة غير مسبوقة كمية من المصادر الأولية والثانوية عن أديان العالم، وتعاليم الحكمة الإنسانية، وقد ظن البعض بصورة متعجلة وزائفة أن توفر هذه المعلومات يجعل من الممكن بروز لغة روحانية عابرة للأديان..، مقابل ذلك نجد أن عددا من الهويات الجماعية المعاصرة قد ترسبت وتكلست حول مفاهيم دينية محددة، وأحيانا قد تصلبت في حركات غير متسامحة واقصائية بصورة متشددة.، ومن هنا نجد أن من الملائم بصورة ملحة القيام بفحص ما هو مشترك بين أديان العالم، كما أن هناك حاجة ماسة لتفهم واضح لأسس الاختلاف بينها".
والإسلام بأتباعه هو أحد الأديان الذي لم يسلم من هذه الظاهرة الإنسانية، منذ أن برز على وجه الأرض، وذلك لخصائص ومميزات انفرد بها عن غيره من الأديان والحضارات.
يقول منقذ السقار: "الإسلام دين الله الخاتم، فقد امتاز بخصائص ذاتية جعلته في الماضي وتجعله اليوم أسرع الأديان انتشارا على وجه الأرض، فقد غطى الإسلام نصف الكرة الأرضية بحضارته، وتسابقت الأمم إلى الدخول فيه لما قرأت ما فيه من توافق مع الفطرة ومواءمة مع العقول وسماحة المعاملة ويسر المعتقد...لكن هذا النجاح الذي حققه المسلمون في إسلامهم دفع البعض للإساءة إلى الإسلام، فما من دين ولا نحلة أصيب بما تعرض له الإسلام العظيم من تشويه أسهمت به جيوش من المفكرين، الذين تعمدوا أحيانا الإساءة إليه بطمس حقائقه وإلصاق النقائص به زورا وبهتانا، بينما أخطأوا أحيانا أخرى في فهمه، فانحرفوا بعيدا عن حقائقه وأصوله، ولسنا نبرئ نحن المسلمين أنفسنا من الإساءة إلى ديننا بتصرفات بعضنا التي يبرأ منها الإسلام، الذي أضحى أسيرا بين مطرقة أعدائه وسندان جهل محيط ببعض أبنائه".
وبرأيي فإن الإسلام بقي وسيبقى مستهدفا من جميع خصومه لسببين اثنين: قدرته الذاتية على الاتساع وربح شعوب وجماعات إلى صفه من جهة، ومن جهة ثانية صلابته ومقاومته الانبطاح ورفض التبعية والانصياع لرؤية الأخر ونموذجه الحضاري من نصرانية واستعمار قديم، ممثلا في الكنيسة وحاليا النظام الليبرالي العلماني، ممثلا في الغرب وأمريكا تحديدا....(يتبع).
توقيع: د يزيد حمزاوي